النسبية و زمكان أينشتاين

MennaTullah Amer

Menna got a master’s degree in Judaism studies, is a researcher in Religions, the founder of the שער השמים Platform, a writer on the Ida2at website, worked as a Hebrew translator on more than one website, she is interested in astronomy, and a volunteer in the ESA.

July 28, 2022

حينما كان عمر الكون لا يتجاوز كسرًا بسيطًا من الثانية، وحرارته الهائلة تناهز التريليون درجة، وكان يتوهج في سطوع يستحيل تخيله، كان هدفه الرئيس هو التمدد.

لذلك بادر العلماء على اكتشافه ومعرفته، والاهتمام بأدق تفاصيله، فجاء عقل “ألبرت آينشتاين” ليلعب دورًا بارزًا في جعل المتخيل حقيقة، عن طريق العلم، عندما بلغ “آينشتاين” عامه السادس والعشرين قدم في شهر يونيو من سنة 1905م، ورقة بحثية إلى مجلة Annals of physics التي تصدر في ألمانيا، عرض فيها حله لمفارقة علمية عن الضوء، وهو الأمر الذي شغله حوالي عشر سنوات قبل ذلك أي منذ عامه السادس عشر، أدرك حينها العالم “ماكس بلانك” وهو محرر المجلة، وبمجرد الانتهاء من قراءة الورقة، أن مفاهيم الفيزياء قد قُلبت رأسًا على عقب.  وبعيدًا عن كل مصادر الأضواء والإثارة تمكن هذا الموظف في مكتب براءات الاختراع في مدينة برن في سويسرا من قلب مفهومنا التقليدي عن المكان والزمان واستبدل به مفهومًا جديدًا ذا خصائص تبدو مغايرة لكل ما عرف في عالم الفيزياء حينها.

أدرك أينشتاين أن نظرية نيوتن (التي بها يمكن جمع السرعات وطرحها)، ونظرية ماكسويل (التي بها تكون سرعة الضوء ثابتة لا تتغير) متعارضتان أشد ما يكون التعارض، وأن نظرية نيوتن ما هي إلا نظام قائم على عدة فرضيات؛ فإذا تغيرت واحدة من تلك الفرضيات انسلت وراءها النظرية بأسرها كما تنسل كنزة صوفية كاملة بانسلال خيط واحد، وكان ذلك الخيط هو تخيل أينشتاين لنفسه يتسابق مع شعاع الضوء.

وفي أحد أيام شهر مايو من عام 1905م، زار أينشتاين صديقه العزيز “ميكيلي بيسو”، الذي كان هو الآخر يعمل في مكتب براءات الاختراع، وعرض عليه أبعاد ذلك اللغز الذي حيره لنحو عشر سنوات، فقوانين نيوتن للحركة ومعادلات ماكسويل اللتان تشكلان معًا أساس الفيزياء لا تتناسقان، ولابد أن أحدهما صحيح والأخرى خاطئة، وتحديد هذا سيترتب عليه إعادة النظر في علم الفيزياء ككل، ثم أخذ يستفيض في شرح التناقض الكامن في مسألة التسابق مع شعاع الضوء، وقد قال أينشتاين بعدها:”إن بذرة نظرية النسبية الخاصة كانت مغروسة في هذا التناقض”، أخذ الاأثنان يتناقشان لساعات طويلة في جميع أبعاد المسألة وبالأخص مفهوم “نيوتن” للزمان والمكان المطلقين الذي كان يتضارب مع مبدأ “ماكسويل” لثبات سرعة الضوء، إلى أن استسلم أينشتاين في النهاية بعد أن نال منه الإرهاق وأعلن هزيمته وطرح هذه المسألة من ذهنه.

ومع ما اعتراه من إحباط فقد ظل عقله في تلك الليلة يضطرب بما فيه من أفكار أثناء عودته إلى المنزل، وتذكر حين كان يركب الترام في بيرن وينظر إلى برج الساعة الشهير الذي يشرف على المدينة كلها، ثم فجأاءة دارت بخلده فكرة؛ حاول تخيل ما سيحدث إذا انطلق الترام مبتعدًا عن البرج بسرعة الضوء، وأدرك أن عقارب ساعة البرج ستنظهر له متوقفة؛ لأن الضوء لن يلحق بالترام، في حين ستظل ساعته الشخصية داخل الترام على حركتها المنتظمة.

ثم كان أن ظهر أمامه فجأة حل المسألة كلها، وهو ما نقله عنه بعد ذلك “كان الأمر كعاصفة اجتاحت عقلي”، لقد كان الحل في منتهى البساطة والروعة ويتمثل في أن الزمن يجري بمعدلات مختلفة في أماكن مختلفة من الكون وفقًا للسرعة التي نتحرك بها، ولفهم هذا قد نتخيل عددًا من الساعات في أماكن متفرقة من الفضاء، كل منها تشير إلى وقت مختلف وكله منها تدق بمعدل مختلف؛ إذًا فالثانية على الأرض ليست بطول الثقانية على القمر أو على كوكب المشترى، بل الواقع أننا كلما تحركنا بسرعة، قلت سرعة الزمن، ومعنى هذا الاستنتاج أن الأحداث التي تتزامن في إطار ما قد لا تتزامن بالضرورة في إطار آخر كما ظن نيوتن. روى أينشتاين بعد ذلك أنه شعر بالمعضلة تنحل أمامه بكل بساطة وقال عن هذا: “لقد تراءت لي فجأة فكرة تقول أإن المفاهيم والقوانين التي نعتقد أنها تحكم الزمان والمكان لا تكون حقيقية إلا بقدر ارتباطهما بخبراتنا… ولقد استطعت عن طريق النظر إلى مفهوم التزامن بنظرة أكثر مرونة أن أصل إلى نظرية النسبية”. 

مبدأ النسبية 

استهل أينشتاين بحثه بعرض حقائق مذهلة وذكر أن نظرياته لا تنطبق على الضوء فقط بل وعلى الكون بأكمله، ووضح أنه استقى هذه النظريات من حقيقتين بسيطتين تنطبقان على أطر ثابتة (وهى علاقات بين الأجسام التي تتحرك بسرعة ثابتة) وهاتان الحقيقتان هما:

  • قوانين الفيزياء واحدة في جميع الأطر الثابتة.
  • سرعة الضوء ثابتة في جميع الأطر الثابتة.

ولقد صار هذان المبدآن اللذان يظن فيهما البساطة هما المحددان الرئيسان لكل النظريات المتعلقة بطبيعة الكون منذ أعمال نيوتن، وخلالهما يستطيع المرء تكوين صورة جديدة عن الزمان والمكان.

في البداية أثبت أينشتاين بعبقرية أنه إذا كانت سرعة الضوء هي بالفعل ثابت طبيعي فإن نظرية تحول لورنتز هي النظرية الأكثر قبولًا، ثم بَيّنَ بعد ذلك أن معادلات “ماكسويل” تتوافق مع هذه النظرية، وأخيرًا أظهر أن السرعات تتزايد في نمط فريد، فعلى خلاف نيوتن الذي استنتج من حركة السفن المسرعة أنه لا حدود للسرعة، استنتج أينشتاين أن سرعة الضوء هي أقصى سرعة للكون، وللتوضيح تخيل نفسك في قلب صاروخ ينطلق من الأرض بسرعة تبلغ 90% من سرعة الضوء، ثم تخيل أنك أطلقت رصاصة في داخل الصاروخ أيضًا بسرعة تبلغ 90% من سرعة الضوء، طبقًا لنظرية نيوتن سوف تبلغ نسبة سرعة الرصاصة 180% من سرعة الضوء أي أنها ستتجاوزها، لكن أينشتاين وضح أن المقاييس سوف تقصر في هذه الحالة وسيبطؤ الزمن مما يجعل نسبة مجموع السرعتين نحو 99% من سرعة الضوء، وأكد أنه مهما حاول المرء فلن يستطيع أبدًا أن يخرق حد سرعة الضوء؛ لأنها السرعة المطلقة في الكون.

إننا لا نلاحظ هذه الحقائق الغريبة في حياتنا اليومية؛ لأننا لا نتحرك بسرعة الضوء أو حتى بسرعة قريبة منها، ولهذا فإن قوانين نيوتن تنطبق على السرعات التي نتحرك بها كل يوم، ولأجل هذا لم يستطع أحد لمائتي عام كاملة أن يصحح قوانين نيوتن، لكن إذا تخيلنا أن سرعة الضوء تبلغ 20 ميلًاأ في الساعة، فإننا سنجد السيارة المندفعة في الطريق تنضغط في اتجاه الحركة، إذا حاولت اجتياز تلك السرعة، إلى أن يصل طولها لبوصة واحدة، في حين سيظل ارتفاعها كما هو دون تغير، قد يظن البعض حينها أن عظام ركاب السيارة سوف تتحطم ويأخذون في الصراخ مع انكماشها كآلة الأوكورديون، لكنهم في الواقع لن يشعروا بشيء لأن كل ما في السيارة بما في هذا ذرات أجسامهم سينضغط كذلك.

ومع تباطؤ سرعة السيارة إلى أن تتوقف، سوف تأخذ في التمدد مجددًا من بوصة واحدة إلى نحو 10 أقدام دون أن يشعر ركابها بشيء، السؤال هنا ما الذي انضغط بالضبط الركاب أم السيارة؟ وفقًا لنظرية النسبية لا توجد إجابة عن هذا السؤال لأن مفهوم الطول ليس له معنى مطلق.

وبمراجعة الأبحاث السابقة لأينشتاين يرى المرء أن هناك آأخرين اقتربوا كثيرًا من اكتشاف النسبية لكنهم لم يوفقوا، مثلًا اكتشف لورنتز وفيتزجيرالد مفهوم الانكماش نفسه، لكنهما فهما النتائج التي خرجا بها فهمًا خاطئًا للغاية؛ فقد ظنا أن هذا الانكماش ما هو إلا تحول إلكتروميكانيكي شاذ للذرات لا تحول في الزمان والمكان. وكان من بين الذين اقتربوا من هذا الكشف “هنري بوانكاريه” الذي يعد أعظم رياضيين عصره، فقد أدرك أن سرعة الضوء لا تتغير في جميع الأطر الثابتة، بل ذكر أيضًا أن معادلات “ماكسويل” تتوافق مع تحول لورنتز، لكنهع مع هذا رفض هو الآخر أن يهجر نظرية الأثير التي وضعها “نيوتن” وظن أن الظاهر الغريبة المتعلقة به ليست إلا ظواهر كهربية ومغناطيسية.

لم يتوقف أينشتاين عند هذا بل قفز قفزة مهمة بأن كتب في أواخر عام 1905م بحثًا قصيرًا، هو أقرب في طوله إلى الحاشية، لكنه كان أيضًا سببًا في تغيير تاريخ العالم، جاء في هذا البحث أنه إذا كانت عقارب الساعة ومقاييس الأطوال تضطرب كلما زادت بسرعة، فهذا يعني كذلك أن كل شيء يقاس بمقاييس الأطوال وبحركة عقارب الساعة يتغير بما في ذلك الطاقة والمادة، بل أإن كلًا منهما قد يتحول إلى صورة الآخر، ومثال على هذا أظهر أينشتاين أن كتلة الجسم تزيد كلما زادت سرعته، وهذا يعني أن طاقة الحركة تُحَوّل بطريقة ما إلى زيادة في كتلة الجسم، أي أن الطاقة والمادة قابلان لأن  لـيتحول أحدهما إلى الآأخر، وإذا حسبنا كمية الطاقة التي تتحول إلى كتلة حسابًا دقيقًا فسنصل إلى المعادلة الأشهر في التاريخ وهيى أن الطاقة تساوي حاصل ضرب الكتلة في مربع سرعة الضوء، E=mc2. وإذا كانت سرعة الضوء فائقة، وتربيعها بالتالي ضخم، فهذا يعني أن مقدارًا قليلًا من المادة كاف لإطلاق طاقة هائلة؛ فمثلًا مقدار ملاعق صغيرة من المادة قد يتحول إلى عدد من القنابل الهيدروجينية، ومقدار من المادة بحجم بيت قادر على شطر كوكب الأرض نصفين.

بعد ذلك حاول أينشتاين أن يفسر التأثير الكهروضوئي عن طريق نظرية “الكم”، التي كانت قد اكتشفت لتوها عام 1900 م على يد “ماكس بلانك”، كان بلانك قد قام بواحدة من أكبر الثورات على الفيزياء التقليدية بافتراضه أن الطاقة كمَّا سلسًا كالسوائل، بل توجد في حزم محددة منفصلة يسمى كلًا منها “كوانتم” وأن طاقة كل كوانتم تتناسب مع تردده، مثل: هذا الثابت النسبي ثابتًا طبيعيًا جديدًا وسُمَِيَّ “ثابت بلانك”. والواقع أن مفهوم الذرة والكوانتم هو مفهوم على قدر من الغرابة، وهذا لعدة أسباب: أحدها أن ثابت بلانك عدد صغير جدًا، استنتج أينشتاين أنه إذا كانت الطاقة تتوزع على حزم منفصلة فلا بُد أن الضوء كذلك يتوزع، (وفيما بعد أطلق على وحدات أو جسيمات الضوء الكمية اسم “الفوتون” وكان من صك لها هذا الاسم هو الكيميائي “جيلبرت لويس”)، استنتج أينشتاين أنه إذا كانت طاقة الفوتون تتناسب مع تردده فإن طاقة الالكترونات المزاحة لا بد أن تتناسب مع ترددها كذلك على خلاف ما تقول به النظريات الفيزيائية الكلاسيكية.

خرجت نظرية أينشتاين التي هي نظرية كم خاصة بالضوء، بافتراض مباشر يمكن التحقق منه بالتجربة؛ فعن طريق زيادة تردد شعاع الضوء نستطيع قياس الارتفاع السلس الذي يحدث في شدة التيار الكهربي في المعدن، نشر هذا البحث التاريخي (الذي سيفوز عنه بجائزة نوبل في الفيزياء فيما بعد) في التاسع من يونيو في عام 1905م، بعنوان “نظرة استكشافية على إنتاج وتحول الضوء” في هذا البحث ولد الفوتون وولدت معه نظرية الكم الخاصة بالضوء.

بهذا أثبت أينشتاين أن يكون الخيال حقيقة، فقط نحتاج إلى مثابرة وجرأة، لجعله حقيقة.

تاريخ الفلك

تاريخ الفلك

علم الفلك من العلوم ذات الأهمية وهو قديم قدم الإنسان؛ وذلك لأنه بإمكانه أن يقدم لنا إجابة عن السؤال الذي شغل الإنسان...

نظام شمسي مشابه لنا

نظام شمسي مشابه لنا

 أول صورة مباشرة لنظام نجمي له أكثر من كوكب يدور حول نجم مشابه لنجمنا الشمس. التقط التلسكوب الكبير التابع للمرصد...

أمطار الموت

أمطار الموت

 جسيمات صغيرة تأتي من بعيد قد تُسبب حوادث وتَلاعُب في نتائج الانتخابات أو أخطاء في عمليات للكمبيوتر! "ڤيكتور هيس" هو...

0 Comments

Submit a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *